غوستاف كوربيه فنان فرنسي تزعم الحركة الواقعية[١] في القرن التاسع عشر وارتقى بمكانته بين الفنانين بكونه مبدع وفنان يتقن تجسيد والتقاط اللحظات البارزة في الأحداث الاجتماعية في أعماله، يصور كوربيه أعضاء المجتمع الريفي وهم يمارسون حياتهم اليومية، فقد كان يرغب في تعليم الأخرين حقيقة المجتمعات الريفية والتي تم تجاهلها لفتره طويلة في عالم الفن الفرنسي، وقد علق على أعماله بعض المشاهدين المتغطرسين من الطبقات العليا وتعرض كوربيه لانتقادات واسعة لتصويره "الناس القبيحين" من الريف ولكنه استمر بتصويرهم وضمت العديد من أعماله ملامح الفلاحين والخدم بالإضافة إلى الطبقات الوسطى، كان الفنان نفسه من طبقه ممتازة لكنه أحب جميع طبقات أفراد المجتمع في فرنسا وأراد إظهار حياتهم للمجتمع.

​

صور الفنان هذا العمل بين عامي ١٨٤٥ و١٨٥٥ ميلاديًا بعنوان ناخلات[٢] القمح، حيث أراد أن يعبر عن مشهد واقعي من الحياة الريفية الزراعية وقد أتبع خطى زميله مييّه الذي صور سابقًا رسم مشهد مماثل لهذا العمل، واستخدم الفنان اخواته كنموذج لكلا اللوحتين حيث كانت لديه الثقة في أنهن جزء من المجتمع الأصلي وسيكون لديهن القدرة بسهولة على تمثيل الأسلوب المحلي الذي كان يرغب برسمه وتقديمه كعمل فني، التقط العمل الات القمح الريفية حيث كانت الأساليب التقليدية والقديمة لا زالت تستعمل في الريف والقرى المجاورة خلال فترة حياة كوربيه، ونرى في اللوحة امرأتان، واحدة على اليسار والأخرى في المنتصف، وعلى الجانب الأيمن هناك صبي يُفترض أنه ابن كوربيه، وتقوم المرأة التي بالمركز بعملها حيث تغربل القمح مع المرأة الأخرى التي تبدوا وكأنها تساعدها، صور كوربيه هنا الحياة الريفية والعمل الجاد الذي مثلته زوي من خلال إمساك المنخل[٣] الكبير وإهتزازه من أجل الغربلة. ونلاحظ أن المرأة الموجودة على اليمين تعطي انطباع بأن المهمة مملة ولا تتطلب جهد جسدي كبير، فنرى جسدها متكئ على الأكياس وكأنها نائمة بينما يدها اليمنى تعمل على انتقاء الحبيبات الفاسدة بملل واضح، ومن ناحية أخرى فإن المرأة التي في المنتصف تقوم بعملها بجهد وتهز ذراعيها بشدة وهي تحمل المنخل بينما هي راكعه على ركبتها، وبذلك يخبرنا هذا العمل عن واقع الأعمال الريفية والتي تتطلب أوقات طويلة من الأشخاص وبمقابل أجور زهيدة لا تساوي جهد عملهم. ونلاحظ الطفل في اللوحة حيث لم يدخل أطفال ذوي الدخل الضعيف في ذلك الوقت المدارس للتعلم بسبب صعوبة الظروف فنرى الطفل يتخلى عن طفولته ويساعد في العمل كما لو أنه يراقب ويرى ما في داخل الصندوق الخشبي والذي يحتوي على حبوب القمح التي تم الانتهاء من تجميعها.

​

وهكذا روى لنا كوربيه حكاية من أعمال الناس القبيحين من الريف.